فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



5- ومما يؤكد وجود خصائص في كل من الذكر والأنثى: قول الحق تعالى في سياق قصة مريم عليها السلام: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي أنك أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَالله أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران: 35- 36].
والشاهد هنا هو قوله تعالى:{وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى} وهو من تتمة كلام امرأة عمران، بعد الجملة الاعتراضية {وَالله أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ} وهي من كلام الرب تعالى.
قال الطبري: فتأويل الكلام إذًا والله أعلم من كل خلقه بما وضعت، ثم رجع جل ذكره إلى الخبر عن قولها، وأنها قالت- اعتذارًا إلى ربها مما كانت نذرت في حملها فحررته لخدمة ربها {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى}، لأن الذكر أقوى على الخدمة وأقوم بها، وأن الأنثى لا تصلح في بعض الأحوال لدخول القدس والقيام بخدمة الكنيسة، لما يعتريها من الحيض والنفاس.
6- والنساء لهن خصيصة في اللباس تختلف عن الرجال: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ} [النور:31].
ثالثًا: المسؤولية والتكليف: خلق الله الإنس والجن لعبادته، والقيام بالأمانة والعدل.
{إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ أنه كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} الأحزاب: 72.
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:21].
والإنس، والناس، والإنسان، كلها أسماء جنس يدخل فيها جميع عقلاء البشر من الذكور والإناث ممن يفهم الخطاب.
وجاءت نداءات متكررة ومتنوعة في القرآن الكريم تتضمن تكليفات إلهية. مثل: يا أيها الذين آمنوا، يا أيها الناس، يا بني آدم، يا أيها الإنسان. وهي خطابات للذكور والإناث، والقاعدة الشرعية في الخطاب أنه عام للذكور والإناث إلا ما جاء مستثنى.
لكن هل يدخل النساء في الخطاب بأصل الوضع، أم يدخلن بالتغليب؟ خلاف بين الأصوليين.
قال ابن القيم في رده على نفاة القياس عندما قالوا: إن الإسلام سوَّى بين الرجل والمرأة في العبادات البدنية والمالية كالوضوء والصلاة والصوم والزكاة والحج، وفي العقوبات كالحدود، ثم جعلها على النصف من الرجل في الدية والشهادة والميراث والعقيقة.
فعلق ابن القيم على هذه المقولة بقوله: هذا من كمال شريعته وحكمتها، ولطفها؛ فإن مصلحة العبادات البدنية ومصلحة العقوبات، الرجال والنساء مشتركون فيها، وحاجة أحد الصنفين إليها كحاجة الصنف الآخر، فلا يليق التفريق بينهما، نعم فرقت بينهما في أليق المواضع بالتفريق، وهو الجمعة والجماعة.. وكذلك فرقت بينهما في عبادة الجهاد التي ليس الإناث من أهلها، وسوت بينهما في وجوب الحج لاحتياج النوعين إلى مصلحته، وفي وجوب الزكاة والصيام والطهارة.
وابن القيم يفصل هنا مواطن التسوية والتفرقة بين الجنسين.
والنصوص الشرعية واضحة وقاضية في كلا الأمرين والمقام لا يتسع لإيراد التفصيلات، لكن نشير إلى أهم مواطن الاختلاف بين الجنسين مما لا نزاع فيه بين أهل العلم في الجملة.
ففي نظري أن القضايا والأحكام ذات العلاقة لها أنواع:
1- تخفيف الحكم على المرأة من الوجوب إلى ما دونه، مثل: صلاة الجمعة، والجماعة، والجهاد.
2- إسقاط الحكم التكليفي عنها، مثل: عدم قضاء الصلاة بسبب الحيض والنفاس، وعدم النفقة على الزوج والأولاد.
3- تأجيل الحكم التكليفي وتأخيره، مثل: صيام رمضان بسبب الحيض والنفاس.
4- تمييز المرأة بأحكام تتعلق بأنوثتها: كالحجاب، وإباحة التحلي بالذهب والحرير، وعدم حلق شعر الرأس، وإرضاع الأطفال وتربيتهم.
5- وضع أحكام احتياطية لصالح المرأة، مثل: عدم السفر إلا مع ذي محرم، وعدم الخلوة بالرجل الأجنبي إلا مع ذي محرم، وعدم التبرج، وعدم الاختلاط في غير مواطن الحاجة.
6- إسناد الأعمال القيادية للرجل دون المرأة، مثل:
أ- قوامة الرجل على المرأة، ولزوم طاعة الزوج بالمعروف.
ب- ولاية النكاح.
ج- الولايات العامة للمجتمع (كالإمامة، والإمارة، والوزارة).
7- تحديد أنصبة أقل من الرجل، في الميراث، والديات والشهادة.
8- منحها حقوقًا مادية مثل: المهر، والنفقة.
وكل هذه الأحكام الخاصة بالمرأة، والتي تميزت بها عن الرجل هي عند التدقيق عين الحكمة ومقتضى العقل الصحيح ومساحة هذه المقالة لا تتسع للتفصيل.
رابعًا: الجزاء:
لا تكاد تختلف المرأة عن الرجل في مجال (الجزاء) دنيويًا كان أو أخرويًا.
فالثواب والعقاب يستوي فيه الجنسان.
قال سبحانه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [النحل: 97].
يقول الطاهر بن عاشور: قوله: {مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى} تبيين للعموم الذي دلت عليه من الموصولة، وفي هذا البيان دلالة على أن أحكام الإسلام يستوي فيها الذكور والنساء، عدا ما خصصه الدين بأحد الصنفين.
وقد ثبت أن جبريل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (اقرأ على خديجة السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب).
ولما قالت أم سلمة رضي الله عنها: يا نبي الله، مالي أسمع الرجال يذكرون في القرآن، والنساء لا يُذكرن أنزل الله: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ الله كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ الله لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35]. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَإِنّى سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنّى أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرّيَّتَهَا مِنَ الشيطان الرجيم}:

.قال الفخر:

فيه أبحاث:
البحث الأول: أن ظاهر هذا الكلام يدل على ما حكينا من أن عمران كان قد مات في حال حمل حنة بمريم، فلذلك تولت الأم تسميتها، لأن العادة أن ذلك يتولاه الآباء.
البحث الثاني: أن مريم في لغتهم: العابدة، فأرادت بهذه التسمية أن تطلب من الله تعالى أن يعصمها من آفات الدين والدنيا، والذي يؤكد هذا قولها بعد ذلك {وِإِنّى أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرّيَّتَهَا مِنَ الشيطان الرجيم}.
البحث الثالث: أن قوله: {وَإِنّى سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ} معناه: وإني سميتها بهذا اللفظ أي جعلت هذا اللفظ اسمًا لها، وهذا يدل على أن الاسم والمسمى والتسمية أمور ثلاثة متغايرة.
ثم حكى الله تعالى عنها كلامًا ثالثًا وهو قولها {وِإِنّى أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرّيَّتَهَا مِنَ الشيطان الرجيم} وذلك لأنه لما فاتها ما كانت تريد من أن يكون رجلًا خادمًا للمسجد تضرعت إلى الله تعالى في أن يحفظها من الشيطان الرجيم، وأن يجعلها من الصالحات القانتات، وتفسير الشيطان الرجيم قد تقدم في أول الكتاب. اهـ.

.قال ابن عادل:

قوله: {وِإِنِّي أُعِيذُهَا} عطف على {وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا} وأتى- هنا- بخبر إنَّ فعلًا مضارعًا؛ دلالة على طلبها استمرار الاستعاذة دون انقطاعها، بخلاف قوله: {وَضَعْتُها} و{سَمَّيْتُهَا} حيث أتى بالخبرين ماضيَيْن؛ لانقطاعهما، وقدم المُعَاذَ به على المعطوف؛ اهتمامًا به. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ} يعني خادم الربّ في لغتهم.
{وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ} يعني مريم.
{وَذُرِّيَّتَهَا} يعني عيسى.
وهذا يدلّ على أن الذرّيَّة قد تقع على الولد خاصّة.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مولود يولد إلا نَخَسه الشيطان فيستهلّ صارخًا من نخسه (الشيطان) إلا ابن مريم وأُمّه» ثم قال أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم {وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشيطان الرجيم}.
قال علماؤنا: فأفاد هذا الحديثُ أن الله تعالى استجاب دعاء أُمّ مريم، فإن الشيطان ينخَس جميع ولد آدم حتى الأنبياء والأولياء إلا مريم وابنها.
قال قتادة: كل مولود يطعن الشيطان في جنبه حين يولد غير عيسى وأُمّه جُعل بينهما حجاب فأصابت الطعنة الحجاب ولم ينفذ لهما منه شيء، قال علماؤنا: وإن لم يكن كذلك بطلت الخصوصية بهما، ولا يلزم من هذا أن نخس الشيطان يلزم منه إضلال الممسوس وإغواؤه فإن ذلك ظنّ فاسد؛ فكم تعرّض الشيطان للأنبياء والأولياء بأنواع الإفساد والإغواء ومع ذلك فعصمهم الله مما يَرُومه الشيطان، كما قال تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: 42].
هذا مع أن كل واحد من بني آدم قد وُكِلّ به قَرِينه من الشياطين؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فَمَرْيَمُ وابنها وإن عُصِما من نخسه فلم يُعْصما من ملازمته لهما ومقارنته. والله أعلم. اهـ.

.قال الألوسي:

أخرج الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل من مسه صارخًا إلا مريم وابنها» وفي بعض طرقه أنه ضرب بينه وبينها حجاب وأن الشيطان أراد أن يطعن بإصبعه فوقعت الطعنة في الحجاب، وفي رواية إسحق بن بشر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل ولد آدم ينال منه الشيطان يطعنه حين يقع بالأرض بإصبعه ولهذا يستهل إلا ما كان من مريم وابنها فإنه لم يصل إبليس إليهما» وطعن القاضي عبد الجبار بإصبع فكره في هذه الأخبار بأنها خبر واحد على خلاف الدليل، وذلك أن الشيطان إنما يدعو إلى الشر من له تمييز ولأنه لو تمكن من هذا الفعل لجاز أن يهلك الصالحين، وأيضا لم خص عيسى وأمه دون سائر الأنبياء؟ وأنه لو وجد المس أو النخس لدام أثره وليس فليس، والزمخشري زعم أن المعنى على تقدير الصحة أن كل مولود يطمع الشيطان في إغوائه إلا مريم وابنها فإنهما كانا معصومين، وكذلك كل من كان في صفتهما كقوله تعالى: {لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين} [ص: 82، 83] واستهلاله صارخًا من مسه تخييل وتصوير لطمعه فيه كأنه يمسه ويضرب بيده عليه ونحوه من التخييل قول ابن الرومي:
لما تؤذن الدنيا به من صروفها ** يكون بكاء الطفل ساعة يولد

وأما حقيقة النخس والمس كما يتوهم أهل الحشو فكلا ولو سلط إبليس على الناس ينخسهم لامتلأت الدنيا صراخًا وعياطًا مما يبلون به من نخسه انتهى.
ولا يخفى أن الأخبار في هذا الباب كثيرة وأكثرها مدون في الصحاح والأمر لا امتناع فيه، وقد أخبر به الصادق عليه الصلاة والسلام فليتلق بالقبول، والتخييل الذي ركن إليه الزمخشري ليس بشيء لأن المس باليد ربما يصلح لذلك أما الاستهلال صارخًا فلا على أن أكثر الروايات لا يجري فيها مثل ذلك، وقوله: لامتلأت الدنيا عياطًا قلنا: هي مليئة فما من مولود إلا يصرخ، ولا يلزم من تمكنه من تلك النخسة تمكنه منها في جميع الأوقات كيف وفي الصحيح: «لولا أن الملائكة يحفظونكم لاحتوشتكم الشياطين كما يحتوش الذباب العسل» وفي رواية: «لاختطفتكم الجن» وقسر قوله تعالى: {لَهُ معقبات مّن بَيْنِ يَدَيْهِ} [الرعد: 11] في أحد الوجوه به، وبهذا يندفع أيضا قول القاضي من أنه لو تمكن من هذا الفعل لجاز أن يهلك الصالحين وبقاء الأثر بل وحصوله أيضا ليس أمرًا ضروريًا للمس ولا للنخس والحصر باعتبار الأغلب والاقتصار على عيسى عليه السلام وأمه إيذانًا باستجابة دعاء امرأة عمران على أتم وجه ليتوجه أرباب الحاج إلى الله تعالى بشراشرهم، أو يقدر له ما يخصصه، وعلى التقديرين يخرج النبي صلى الله عليه وسلم من العموم فلا يلزم تفضيل عيسى عليه الصلاة والسلام في هذا المعنى، ويؤيده خروج المتكلم من عموم كلامه، وقد قال به جمع.
ويشهد له ما روى الجلال في البهجة السنية عن عكرمة قال: لما ولد النبي صلى الله عليه وسلم أشرقت الأرض نورًا فقال إبليس: لقد ولد الليلة ولد يفسد علينا أمرنا فقالت له جنوده: لو ذهبت إليه فجاءه فركضه جبريل عليه السلام فوقع بعدن، وهذا أولى من إبقاء العام على عمومه، والقول بأنه لا يبعد اختصاص عيسى وأمه بهذه الفضيلة دون الأنبياء عليهم السلام ولا يلزم منه تفضيله عليهم عليهم السلام إذ قد يوجد في الفاضل ما لا يوجد في الأفضل، وعلى كلا الأمرين الفاضل والمفضول لا إشكال في الأخبار من تلك الحيثية، نعم قد يشكل على ظاهرها أن إعاذة أم مريم كانت بعد الوضع فلا يصح حملها على الإعاذة من المسِّ الذي يكون حين الولادة، وأجيب بأن المس ليس إلا بالانفصال وهو الوضع ومعه الإعاذة، غايته أنه عبر عنه بالمضارع كما أشرنا إليه لقصد الاستمرار فليتأمل، والعجب من بعض أهل السنة كيف يتبع المعتزلة في تأويل مثل هذه الأحاديث الصحيحة لمجرد الميل إلى ترهات الفلاسفة مع أن إبقاءها على ظاهرها مما لا يرنق لهم شربًا ولا يضيق عليهم سربًا، نسأل الله تعالى أن يوفقنا لمراضيه ويجعل مستقبل حالنا خيرًا من ماضيه. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من فوائد الشعراوي:
قال رحمه الله:
{فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَالله أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ}.
لقد جاء هذا القول منها، لأنها كانت قد قالت إنها نذرت ما في بطنها محررا لخدمة البيت، وقولها: {محررا} تعني أنها أرادت ذكرا لخدمة البيت، لكن المولود جاء أنثى. فكأنها قد قالت: ان لم أُمَكّنْ من الوفاء بالنذر، فلأن قدرك سبق، لقد جاءت المولودة أنثى. لكن الحق يقول بعد ذلك: {وَالله أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ}. وهذا يعني أنها لا تريد إخبار الله، ولكنها تريد أن تظهر التحسر، لأن الغاية من نذرها لم تتحقق وبعد ذلك يقول الحق: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى}. فهل هذا من كلامها، أم من كلام الله؟